الديمقراطية العمالية

قراء في بعض مظاهر العجز التجاري المغربي

محمد نادير

إن الإنتاج الوطني المغربي بكل قطاعاته لا يكفي لتلبية حاجيات المستهلكين المغاربة من المواد النهائية كما لا يلبي حاجيات القطاعات الإنتاجية الوطنية من المواد النصف المصنعة التي تدخل في تركيبة المواد الاستهلاكية الوطنية. هذا ما يفسر الطلب الكبير على المنتجات الخارجية والارتفاع الصاروخي للواردات المغربية مما يتسبب في عجز كبير ومتعاظم للميزان التجاري المغربي الذي بلغ حسب مكتب الصرف خلال الإحدى عشر شهر الأولى من سنة 2021، 181 مليار درهم أي بزيادة 26,4% مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2020.  

حيث إن الواردات ارتفعت بنسبة 24 % مقارنة بالسنة الماضية إلى 474 مليار درهم وهي تتشكل أساسا من:

  • واردات المنتجات الاستهلاكية الجاهزة (+ 26 مليار درهم)
  • واردات المنتجات النصف المصنعة ( + 20 مليار درهم)
  • واردات المنتجات الطاقية (+ 22 مليار درهم) خاصة الغازوال والفيول (+10,7 مليار درهم).

كما يلاحظ بشكل جلي الارتفاع الكبير والصاروخي لواردات المنتجات الاستهلاكية الجاهزة التي انتقلت من 85 مليار درهم 2020 إلى 111 مليار درهم أواخر شهر نونبر 2021 بارتفاع تخطى 30 % سنويا.

بالمقابل نلاحظ أن الصادرات ارتفعت بنسبة 22% من 239 مليار سنة 2020 إلى 293 مليار درهم أواخر نونبر 2021.

وهو ارتفاع يعزى في جزء كبير منه إلى صادرات الفوسفاط ومشتقاته التي ارتفعت ب 52% إلى 69 مليار درهم أواخر نونبر 2021.

إن التطورات التي عرفتها المعاملات التجارية المغربية في الفترة الأخيرة جعلت معدل تغطية الصادرات للواردات جد ضعيف يبلغ 61% مما يفسر بلوغ العجز التجاري 19,5 مليار دولار أواخر نونبر 2021 وسيتجاوز 20 مليار دولار، وهو عجز كبير يشكل 17% من الناتج الداخلي الخام ويشكل تحديا كبيرا لميزان الأداءات المغربي وضغطا كبيرا على الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة الذي تحسن أخيرا بفعل تحويلات المغاربة بالخارج وحصول المغرب على صحته من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي.

إن العجز التجاري المغربي يظهر بشكل كبير في اقتصار الصادرات المغربية على مجموعه محدودة من المواد:

  • الفوسفاط ومشتقاته
  • قطاع السيارات والأسلاك الكهربائية.
  • النسيج والجلد.
  • المواد الفلاحية والصناعات الغذائية.

كما ينبئنا عن مستوى تنافسية المنتجات المغربية ومؤشرات اقتحامها للأسواق الخارجية.

إن عجز الميزان التجاري المغربي هو من أكبر العجوزات التجارية بالعالم مقارنة بناتجه الوطني الخام، مما يطرح عدة تساؤلات تنافسية ومكانة النسيج الإنتاجي والصناعي الوطني.

اتفاقيات التبادل الحر

بادر المغرب إلى وضع إطار قانوني لتطوير علاقاته التجارية من بعض الشركاء من خلال إبرام اتفاقيات للتبادل الحر ثنائية أو متعددة الأطراف منها:

-       اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي.

-       اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية.

-       اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا.

-       اتفاقية التبادل الحر بين المغرب ومجموعة أكادير ( المغرب- مصر- تونس- الأردن).

وذلك بهدف إنعاش الصادرات المغربية نحو الخارج، واندماج المغرب في الاقتصاد العالمي وتحسين تنافسيته، والعمل على ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية، وتعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني وإرساء مناخ مشجع للاستثمار.

لقد عرفت المرحلة الأولى من تطبيق اتفاقيات التبادل الحر قبل 2012 تدهورا كبيرا لمعظم مؤشرات التجارة الخارجية المغربية حيث بلغ عجز الميزان التجاري المغربي نسبة 24 % من الناتج الداخلي الخام سنة 2012.

وكما كان مأمولا أن تواكب اتفاقيات التبادل الحر تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المغرب لكن شيئا من هذا لم يحدث، حيث مرت هذه الاستثمارات من 23 مليار درهم سنة 2007 إلى 21 مليار سنة 2016 وأقل من هذا بعد ذلك. مما شكل خيبة أمل للأوساط الاقتصادية والمالية الوطنية.

 إن حصة المغرب من السوق في التجارة الدولية التي تعد مؤشرا من مؤشرات التنافسية تقلصت من 0,13 % في التسعينات إلى 0,11  % أثناء تنفيذ اتفاقيات التبادل الحر في بداية العقد الماضي، لكنها تحسنت مؤخرا وبنسبة بسيطة تبلغ 0,15 % بفعل صادرات الفوسفاط ومشتقاته وقطاع السيارات وواردات المنتجات الاستهلاكية الجاهزة والمواد الطاقية، وذلك عكس بلدان منافسة مثل:

  • مصر التي انتقلت حصتها من السوق الدولي من 0,08 % إلى 0,17 %.
  • تركيا التي ارتفعت حصتها من السوق الدولي من 0,4 % إلى 0,7  %.

كما تبلغ صادرات المغرب في إطار اتفاقيات التبادل الحر حوالي 50 % من إجمالي الصادرات، مما يؤكد أن هناك فرصا كثيرة وتحديات كبيرة لا يتمكن المغرب من استغلالها.

إن هذه التطورات تفرض على الحكومة المغربية أن تقوم بمراجعة اتفاقيات التبادل الحر التي وقعتها سابقا، لأنها تشكل مصدر الجزء الكبير من العجز التجاري الكبير الذي يعرفه المغرب. وكمثال على ذلك، ارتفاع الواردات المغربية من تركيا إلى 21 مليار سنة 2019 والصادرات إلى 5 مليار درهم مما جعل العجز يرتفع إلى 16 مليار درهم عوض 7,8 % مليار درهم سنة 2013.

مما كبد صناعة الألبسة والنسيج الوطنية فقدان 64000 منصب شغل، وإغراق السوق الوطنية بمنتجات بأسعار أقل من كلفتها الحقيقية، ما جعل المغرب يرفع شكوى إلى منظمة التجارة العالمية حيث اتفق المغرب وتركيا على تعديل اتفاقية التبادل الحر يوم 24 غشت 2020. وبموجب الاتفاق المعدل للاتفاقية سيتم فرض رسوم جمركية لمدة خمس سنوات على عدد من المنتجات الصناعية التركية لتبلغ 90% من قيمة الرسوم الجمركية المطبقة.

السوق الإفريقية:

 المبادرات بين المغرب وافريقيا

لازالت المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا جد متوسطة أو ضعيفة لا ترقى إلى مستوى تطلعات الجانبين أو مستوى العلاقات السياسية والثقافية والتاريخية التي تجمع بينهما.

لقد بلغت الصادرات المغربية نحو افريقيا 21 مليار درهم سنة 2019 أي ما يمثل 7,7% من إجمالي صادرات المغرب مقابل 3,7% سنة 2000.

وتتكون هذه الصادرات في مجملها من المنتجات شبه المصنعة (31%) والمنتجات الغذائية والمشروبات (28%) والتبغ والمنتجات الصناعية الجاهز (14%).

أما الواردات فقد بلغت 17 مليار درهم سنة 2019 أي 3,6% من إجمالي الواردات.

وتشكل الواردات الطاقية في هذا الجانب، الجزء الأكبر (38%) والمنتجات الغذائية (18%).

ورغم العناية الخاصة التي يعطيها المغرب لهذا التوجه الإفريقي في إطار رؤية شاملة تدعمها مبادئ التعاون جنوب – جنوب على أساس رابح – رابح، في إطار استراتيجية شاملة ينهجها المغرب لجعله مركزا إقليميا وجهويا في المجالات التي تهم التنمية المالية - الطاقات المتجددة - التنمية البشرية - البنية التحتية ....

فإن المبادلات التجارية لازالت في بدايتها ولا ترقى إلى ما تطمح إليه شعوب المنطقة نظرا لتشابه المنتجات في الدول الإفريقية التي هي في غالبيتها منتجات أولية فلاحية كالقطن والبن والكاكاو وبعض أنواع الحبوب، مما يجعل معظم المبادلات الخارجية لهذه الدول تتجه نحو دول المركز الأوربية أو الأمريكية والأسيوية المتطورة.

كما نلاحظ أن الاستثمارات المباشرة المغربية نحو افريقيا قد ارتفعت في السنوات الأخيرة إذ سجلت ارتفاعا بمعدل 8,3% حيث انتقلت من 3 مليارات إلى  6,8 مليار درهم وهي تهم أساسا:

-     قطاع الاتصالات من خلال اتصالات المغرب.

-     قطاع المال والأعمال من خلال استثمارات البنوك وشركات التأمين المغربية.

-     قطاع الإسمنت والإنشاءات لعامة

-     قطاع الخدمات وبعض المنتجات الاستهلاكية الجاهزة.

وهمت الاستثمارات المغربية 29 بلدا افريقيا وهي تشكل 58% من الاستثمارات المغربية بالخارج وتحتل ساحل العاج المرتبة الأولى 21% من مجوع الاستثمارات المغربية بإفريقيا.

إن الاستثمارات الخارجية بإفريقيا يجب أن تنجز في إطار استراتيجية وطنية شاملة تتوخى دعم الصادرات والمنتجات المغربية بالأسواق الإفريقية كما هو حاصل الآن مع التوجه الذي قام به المكتب الشريف للفوسفاط الذي أسس فرعا إفريقيا كبيرا يضم 14 مكتبا بعدد من الدول الإفريقية، ساهم جراءها المكتب الشريف للفوسفاط ّ

في رفع حصة الصادرات المغربية من الأسمدة الفوسفاطية إلى مجموعة كبيرة من الدول الإفريقية.

أو تشجيع تصدير الخضر والفواكه والمواد الغذائية كما هو حاصل الآن بموريتانيا والسنغال والكوت ديفوار ومالي والنيجر وغيرهما.

آثار العجز التجاري على

 التوازنات المالية والمديونية

حقيقة أن العجز التجاري المغربي جد كبير وهو يتعاظم سنة بعد أخرى فلقد بلغ أواخر نونبر 2011، 181 مليار درهم وهو يشكل 17% من الناتج الداخلي الخام مما يشكل ضغطا كبيرا على الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة الذي بلغ بنهاية 2021، 331 مليار درهم (36 مليار دولار) والذي ارتفع ب 26% خلال نفس السنة.

كما أن العجز التجاري يؤثر على التوازنات المالية للمغرب من خلال ارتفاع الطلب على العملة وطلب القروض الخارجية والداخلية ومما يؤكد ذلك الارتفاع المهول للمديونية الوطنية بشقيها الخارجي والداخلي.

ففي هذا الإطار، بلغ حجم المديونية الخارجية للمغرب سنة 2021 حوالي 373 مليار درهم وهو ما يمثل 35% من الناتج الداخلي الخام أما الدين الداخلي فهو قد بلغ 620 مليار درهم سنة 2021.

كما يتوقع أن يصل حجم النفقات المتعلقة بالدين العمومي 29 مليار درهم سنة 2022. كل هذه المعطيات تؤكد الضعف البنيوي للقدرات التمويلية للاقتصاد الوطني خاصة أننا أمام عجزين يخنقان القدرات التمويلية الوطنية وهما:

-     عجز ميزان الاداءات الذي بلغ 24 مليار درهم أواخر شهر شتنبر 2021.

-     عجز الميزان التجاري الذي تجاوز 20 مليار دولار في السنة الماضية.

أسباب العجز التجاري المغربي

-     الدينامية المحدودة للصادرات الوطنية وتركيزها على بعض المنتوجات وبعض الأسواق.

-     هيمنة منتوجات ذات جودة تكنولوجية ضعيفة وكثافة مرتفعة للموارد الطبيعية وقوة العمل.

-     التبعية الكبيرة للواردات والمشتريات التي لا يمكن الحد منها خاصة مواد التجهيز والمواد الاستهلاكية الجاهزة والمواد الطاقية.

-     ضعف تأهيل وتكوين اليد العاملة المغربية الذي يؤدي الى ضعف الإنتاجية وضعف وخلق القيم المضافة.

 

تعليقكم على الموضوع

عنوانكم الإلكتروني يحتفظ به ولاينشر *

*

x

آخر مواضيع

Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2
Test 2