أكد عبد الحق حيسان، المستشار الكنفدرالي بمجلس المستشارين،في حوار مع جريدة الصباح أن مكان مناقشة قوانين اجتماعية مثل التقاعد والإضراب هو الحوار الاجتماعي، مؤكدا أن الحكومة كان عليها أن تعرض مشروع الحق في الإضراب على التوافق بين مكونات الشغل الثلاثة المعنية بالإضراب. ودعا حيسان كافة المؤسسات الدستورية، خاصة مجلس المستشارين، الذي يضم ممثلي الهيآت النقابية وأرباب العمل وممثلي الغرف والجماعات بالتحرك لنزع فتيل الاحتقان. في ما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: برحو بوزياني
أين وصل مقترحكم الخاص بالإصلاح الشمولي لملف التقاعد، بعد توصيات لجنة التحقيق البرلمانية التي طالبت بوقف الإصلاح المقياسي؟
مقترحنا للإصلاح الشمولي لأنظمة التقاعد، المعارض للمشروع الذي فرضته الحكومة السابقة، جاهز، لكن أمام إعلان عدد من الفرق نيتها تقديم مقترحات مماثلة لسحب الإصلاح المقياسي الذي جاءت نبه الحكومة، جعلنا نتريث في تقديم المقترح، ونتصل مع بعض الفرق، مثل فريق الاتحاد المغربي للشغل، وفريق الأصالة والمعاصرة، من أجل تدارس إمكانية التقدم بمقترح واحد، وضمان إمكانية الحصول على توافق بين أكبر عدد من الفرق والمجموعات البرلمانية.
لكن نؤكد أن مقترحنا جاهز، ولا يمكن من الناحية الأخلاقية إعطاء تفاصيل بشأنه ونحن في مرحلة مشاورات مع فرق أخرى، كما أننا لم نضعه بعد، لهذا السبب، وحين يحصل الاتفاق، سنعلن عن مضامينه في ندوة صحافية.
وقد عملنا في الفريق الكنفدرالي، على وضع المقترح انطلاقا من قناعاتنا ومواقفنا التي عبرنا عليها بكل وضوح داخل المؤسسات وخارجها، وقلنا إننا ضد الإصلاح المقياسي الذي جاءت به حكومة بنكيران إلى المجلس المستشارين، عوض عرضه على جلسات الحوار الاجتماعي. لكن الحكومة ناورت وأحالته على المجلس، حيث خضنا معركة قوية لإسقاطه، دون جدوى، رفقة بعض الفرق الأخرى، لنطالب في الأخير بتشكيل لجنة تحقيق نيابية، كنا فاعلين داخلها، وأنهت عملها بالتوصل على نتائج وتوصيات، مفادها أن الصندوق لو حصل كل أمواله، لما وصل اليوم إلى الأزمة التي يتحدثون عنها.
ومن بين التوصيات التي أجمعت عليها مختلف مكونات اللجنة، تجميد الإصلاح المقياسي، وهي العملية التي لا يمكن أن تتم إلا من خلال تقديم مقترح قانون جديد، وهو ما قمنا به في الفريق الكنفدرالي، حيث ننتظر تفاعل باقي مكونات المجلس، من أجل تجميد الإصلاح، رغم أن الحكومة عازمة على تطبيقه، إذ لم نلحظ لديها أي استعداد للتراجع، رغم أن أغلبية الأحزاب بما فيها المشاركة في الحكومة متفقة على المراجعة، باستثناء العدالة والتنمية.
ومع ذلك، سنقوم بعملنا وبما يتطلبه واجبنا مركزية نقابية مناضلة، في مواجهة مثل هذه المشاريع الحكومية التي لا تخدم مصالح الطبقة العاملة وعموم الفئات الشعبية.
كيف تعامل الفريق الكنفدرالي مع مشروع القانون المالي الجديد. وما هي أهم القضايا التي حظيت بتعديلاتكم والتي تهم الشغيلة؟
كانت قناعتنا في الفريق الكنفدرالي أن مشروع القانون المالي الجديد هو تحصيل حاصل، لأن الحكومة شرعت في تطبيقه من خلال العديد من المراسيم قبل 6 أشهر، خلال حكومة تصريف الأعمال.
وكالعادة، كنا نتوقع أن تواجه الحكومة كل تعديلاتنا بالرفض، وأنها لن تتجاوب مع مقترحاتنا المعقولة، ومع ذلك، فإن مناقشة المشروع كانت مناسبة لنا لمساءلة الحكومة ومحاسبتها حول العديد من الإجراءات التي قامت بها، خاصة أن محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية الحالي، كان في حكومة بنكيران، وأيضا ضمن حكومة تصريف الأعمال، التي لم تكن تخضع لمراقبة البرلمان.
وخلال المناقشة، قام مستشارو الكنفدرالية بمحاكمة السياسات العمومية، والتي يعتبر القانون المالي ترجمة لها، وركزنا على كل ما يرتبط بمصالح الطبقة العاملة وكل الطبقات المتضررة من السياسة الحكومية.
وفي هذا الصدد، تساءلنا عن الثروات الوطنية والمستفيد منها، خاصة الفوسفاط والثروات البحرية، كما تساءلنا عن الإعفاءات الجبائية التي يستفيد منها بعض الفلاحين الكبار، والذين يستنزفون الثروات المائية ويستغلون العمال في الضيعات الفلاحية. كما طالبنا بتقييم الأوراش الكبرى بالبلاد، والوقوف عند نتائجها وآثارها على الاقتصاد الوطني، من قبيل مخطط المغرب الأخضر ومخطط التسريع الصناعي، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومدى نجاعتها في محاربة الفقر والهشاشة.
ومع ذلك، حاولنا إدخال بعض التعديلات على المشروع، من قبيل تخفيف الضريبة على الدخل وإحداث عدالة ضريبية، ، لأن نسبة كبيرة من عائدات الضريبة على الدخل تأتي من جيوب الأجراء، حيث طالبنا برفع سقف الإعفاء من الضريبة إلى ستة آلاف درهم، وتخفيض نسب الضريبة على الأجور الدنيا. كما طالبنا بإعفاء الأدوية من الضريبة على القيمة المضافة، ورفعها على السجائر. وقدمنا في الإجمال 28 تعديلا، قوبلت كلها بالرفض من قبل الحكومة.
أصرت الحكومة على تمرير مشروع قانون الإضراب في البرلمان، دون مناقشته داخل الحوار الاجتماعي. كيف ستتعاملون مع الموضوع داخل المجلس؟
أكدنا في الكنفدرالية أن مكان مناقشة قوانين اجتماعية مثل التقاعد والإضراب هو الحوار الاجتماعي. لقد كان على الحكومة أن تعرض المشروع على الحوار الاجتماعي، كي يحصل التوافق بين مكونات الشغل الثلاثة المعنية بالإضراب.
وطبقا لأحكام الدستور، كان يجب أن يحال المشروع على مجلس المستشارين، عوض مجلس النواب، ونحن نستغرب لماذا أحالته الحكومة على مجلس النواب، علما أنه قانون اجتماعي.
ونظــن أن تجربتها مـع قانون التقاعد، هو الذي جعلهــا تحيلــه علــى مجلــس النــواب، خــوفا مــن تكــرار المواجهة القوية مع النقابات والتي عرفها قانون إصلاح التقاعد.
ونقول في الكنفدرالية إن الحكومة أخطأت مرة أخرى في إحالة المشروع على البرلمان، قبل مناقشته ضمن جلسات الحوار الاجتماعي، وسنتصدى له بكل ما أوتينا من قوة، وبكل الوسائل المشروعة، داخل المؤسسات وفي الشارع، تعبيرا عن رفضنا للمقاربة الحكومية المرتكزة على الأغلبية العددية، وليس علــى الديمقراطية التشاركية.
وأؤكد هنا إذا كانت الحكومة تريد أن تزيد الوضع احتقانا، أكثر مما هو عليه اليوم، فلتتحمل مسؤوليتها، أما نحن فمستعدون للدفاع عن السلاح الذي نمتلكه في مواجهة الاستغلال والدفاع عن مكاسب الطبقة العاملة.
المقاربة الأمنية فشلت
تعيش الحسيمة ومعها العديد من المناطق احتجاجات مصحوبة بإضراب واسع للتجار والمهنيين. كيف تنظرون إلى دور البرلمان في نزع فتيل التوتر؟
أولا كانت لدينا في فريق الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين نظرة خاصة إلى حراك الريف والحسيمة، تنطلق من قناعة أن المقاربة الأمنية غير قادرة على معالجة ما جرى منذ أشهر في الحسيمة.
وأذكر هنا أنه سبق لنا أن طالبنا بعقد اجتماع للجنة الداخلية بالمجلس منذ وفاة محسن فكري، كما جددنا مطالبنا بعقد اجتماع حين تفاقم الوضع في الحسيمة، لكن لم تتم الاستجابة لنا.
واليوم بعد أن دخل ملف حراك الريف مرحلة جديدة، حيث انتقلت الاحتجاجات إلى باقي المدن عبر التراب الوطني، طالبنا بعقد اجتماع للبرلمان بغرفتيه، ليتحمل الجميع مسؤوليته من أجل نزع فتيل التوتر. وفي هذا الصدد، نقترح في فريق الكنفدرالية أن يكون مجلس المستشارين فضاء للحوار ما بين مختلف الفاعلين، حكومة وبرلمانيين، ونشطاء الحراك من مختلف الأطياف.
ولكي تعطــي الحكــومة إشــارات إيجـــابية، من أجــل خــراج البــلاد من وضعيـــة الاحتقــان الاجتمـــاعي الــذي يهــدد بالمــزيد من التصعيــد، فعليهــا أن تســارع إلــى وقف الاعتقـــالات، وإطلاق سراح كافـــة المعتقلـــين من نشطــاء الحــراك، وأن يلعب المجلـــس دوره باعتبـــاره مؤسســـة دستــــورية فــي وضع حد للاحتقان الذي بات يعم المغرب بأكمله.